يمكن للغواص في محيطات الساحة الشعبية، أن يرى أشكالاً متنوعة من الكائنات الشعبية، بين أخطبوط متعدد الأيادي لكسب الشهرة أو المال. وبين سمكة صغيرة لايكبر حجمها في أفضل الأحيان عن الـ (صافي) والتي تعيش غالباً بالقرب من الشاطئ، وتحيا في حالة قلق دائمة خوفاً من افتراس الآخرين لها. وبين أعشاب وأسماك قرش ومحارات وغيرها الكثير.
يمكنني أن أصف الكثير من مشاهد أحياء تلك المحيطات، من خلال رحلة الغوص التي بدأتها منذ عدة أعوام ومازلت، إلا أنني سأتحدث هنا عن لؤلؤة ثمينة، لم يكتشفها التجار الهنود عندما هيمنوا على تجارة اللؤلؤ في الخليج، ولم تعلم بها أي من النساء الأوروبيات الأرستقراطيات في عشرينات القرن الماضي. إنها لؤلؤة ناصعة البياض تشكلت في هيئة رجل يدعى (علي المسعودي). ولأبعد نفسي عن الشبهة، فأنني لم أكن حين ذاك أبحث عن وظيفة إعلامية جديدة لأتقدم للعمل مع المسعودي ضمن مجموعته الإعلامية التي كان يديرها بالتعاون مع الشاعر حامد زيد! ولأنني أعلم بأنه لا يمتلك الملايين، فلست أطمع في شرهة منه أو عطية مثلاً.
وبعد أن أزلت عن نفسي الشبهات تقريباً، سأبدأ بالحديث عن هذه اللؤلؤة بأريحية أكبر وأوسع. وأنا على يقين ٍ تام بأن هناك من يود معرفة ذلك الرجل عن قرب. فهو من شارك في تأسيس الصحافة الشعبية الكويتية منذ أكثر من ثلاثين عاماً عبر مجلة المختلف. وبعيداً عن الصحافة الشعبية التي أتحفظ على تسميتها صحافة، فإن المسعودي قد تتلمذ عبر الصحافة اليومية في الشأن المحلي، وهذا ما اتفقت معه عليه في أن الصحافي اليومي يمكن له أن يكون إعلامياً شعبياً مميزاً، إلا أن الإعلامي الشعبي يصعب عليه أن يكون صحافياً يومياً. ذلك لأن ظروف العمل الصحفي اليومي كفيلة بصناعة الشخصية الإعلامية التي تبحث عن الحدث وتخلقه من العدم، بل أنها تفرض على الصحفي التعامل مع الحدث بطريقة أسرع وأدق.
لذا فإنني أرى بأن المسعودي قد بدأ مشواره صحيحاً عبر الصحافة اليومية التي صقلت شخصيته الإعلامية التي انعكست إيجابياً فيما بعد على دوره في الصحافة الشعبية. ولأنها ليست الحسنة الوحيدة في المسعودي، فأسعد بشدة وأنا أتحدث عنه كإنسان بعيداً عن العمل الإعلامي. وكي أنصف القارئ مثلما أنصف نفسي فسوف أعترف بأنني التقيت المسعودي مرة واحدة في حياتي فقط! ولكنه لقاء خلد في ذاكرتي إلى الأبد.
كان ذلك أثناء قدومه إلى البحرين ضمن أمسية
لشعراء المليون، التي أقيمت تحت رعاية نجل ملك البلاد الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة،
عندما كان مشاركا في لجنة تحكيمه، ربما فضولي الصحفي لاكتشاف ذلك الرجل عن قرب
قادني نحو طلب مقابلة صحفية معه. وربما أنه لايوجد سبب آخر لذهابي إليه سعياً
للحصول على مقابلة صحافية معه.
إلا أنني اكتشفت في حضرة ذلك الرجل هدوءاً جميلاً
ينم عن تعقل وذكاء، ووجدت لديه ابتسامة لطيفة دافئة استمتعت بتأملها كثيراً. كما
وجدت فيه خبرة السنين وحكمتها، فهو لم يولد بملعقة من ذهب. بل أسس كل مايملكه
حالياً من مال وشهرة بنفسه.
احترمت فيه كفاحه وصعوده السلم عتبة عتبة، دونما
تسلق أو نفاق وتطبيل. واحترمت فيه اعترافه بشيء من أخطائه فهو لاينزه نفسه كما
يفعل كثير من الإعلاميين الشعبيين. وأعجبت بشخصيته القيادية والطموحة، وفرحت لأنه
لم يقف عند حد معين من العطاء، بل مازال يخطط لفعل الكثير.
بصراحة، أحببت علي الإنسان أكثر بكثير من علي
الإعلامي. وسعدت جداً لأن الفرصة قد سنحت لي بالتعرف عليه عن قرب، بعدما تابعته من
على بعد كثيراً. وقبل أن أختم حديثي سأقدم للقراء نصيحة مجانية لوجه الله :”احرصوا
على قراءة مجموعة المسعودي القصصية، والتي تحمل عنوان ذاكرة الجدران، ففيها كم
لذيذ جداً من الأدب الخفيف واللطيف”.
• شاعرة وكاتبة وإعلامية بحرينية