" أنا تجريبيّ " – ميلان كونديرا !
الكتابة ُ تجريبٌ دائمٌ ! وهذا هوَ السرُّ في بقائها ، والرهبة من فعل ديناميتها وقدسيته ، وقوّتهُ في أنها مبعث الحلم – البقظة ، وتجميل عالمنا ، وأنّها " فنّ طرح الأسئلة" كما ينظّر رولان بارت ، والتجريب أحد الطرق الفذة للإجابة عن تلك الأسئلة !
والكاتبُ مجرّبٌ عام ، بلا تردّد ، سلاحهُ ذبذبات جسدٍ حالمٍ ، غير قابل لصدأ الذبول والترهّل ، ومشروعيته الأمثل فقهُ الكلمات وألعابُ خيالٍ متجوّل ، وإذا كانت الكلماتُ في صلاة الإيحاء التعبيري الجماليّ " تنتظمُ على الورق من تلقاء نفسها ، حسب الترتيب العروضي للسوناتة " – كما يرى إنطونيو تابوكي ، فأنَّ الخيال هو الآخر في تجولهِ المخمليّ ، وألعاب مكره " يتيحُ للكاتب خلق كلّ شيء" – كما يقولُ هاروكي موراكامي !
. في " جِلسة تصوير" القاص علي المسعودي كاتب مجرّب بامتياز !!
لحظة مغامرة ، وسباحة ُمحترفٍ في بحار لغةٍ ماتعةٍ غريزيةٍ نابعةٍ من الأحشاء ، ولها علاقة بكهرباء الجسد الحالم ، وبتعبير موريس بلانشو " لغة ملتحمة بحميمنا السريّ ، الشيء الذي هو أقرب ما يكون لنا " .
القصّة القصيرة هنا نزيف من الكلمات تولّد كلمات ، ودفق خيالٍ بعد الخيال ، خليط بديع من الواقعي – الرومانسي والفانتازي والعجائبي والمنولوج الداخلي ، بوحُ البوح ، مدرك ٌبالقلب والعين معاً ، ومفضٍ إلى قارات ومدن خيال طازج ، تجرّب فيه الكلمات ألعابها ، والاستعارات ُ لهوها الممتع ، وهي تارة بعبارات لا تشبهُ إلا تثاؤب وردة في سرير عطرها ، وتارة أخرى تُقرأ بركانية في لهيب غزوٍ مسالمٍ ، وثورة محبّبة منتظرة .. عبر بلاغة مفرطة الجمال والمتعة والدهشة .. طقس تجريب مُلّح في أسلوب مُتقن مشغول جيداً ، بإيعاز روحٍ أنينها قافية لقصيدة – قصّة صورة لواقع حلمي معيش !
. كلّ مبدعٍ عاهدَ الكلماتِ عهداً دهرياً ، بمفردات إنجيل غير قابل للتزوير والتأويل ، هو مجرّب بامتاياز !
كان بورخيس يفاخر في زمنهِ قائلاً : " طوال عمري وأنا أجرّب " واعترف مراراً بشجاعة المبدع الواثق من أمطار الكلمات ونسماتها الربيعية ، إنَّ قصصه تقفُ في المسافة بين القصّة والمقالة ، وتلك الجرأة نفتقدها في مبدعينا المستعذبين مكياج النرجسية والتعالي الصاخب .
. علي المسعوديّ كاتب مجرّب !
يختار فسفور حروفه ، وإيقاع إبداعه مختلفاً ، وهو يتوّج فضاء مجموعته الجديدة " جِلسة تصوير" * بهذا الانفلات الأسلوبيّ الضروري والمُلح ، وهو يعطي الكلمات حرية المبادرة ، كما أوصى مالارميه بثوب زاهٍ لعبارة قصيرة مكتملة معبّرة وهادفة ، فيأتي نزيفهُ – إبداعهُ – سردهُ تأملياً حلمياً ، مراوحاً بين (القصة القصيرة جداً ) و( الأقصوصة) و( القصّة القصيرة) مع الحفاظ المدرك على كينونة فنّه السرديّ ، وتفرده التعبري الإيحائي الجمالي ، وهو ينتقل بمهارة من الواقع إلى الخيال ، ومن الحلم إلى اليقظة ، فتأتي قصصه مزيجاً منغماً من الواقعي إلى الفانتازي إلى التشكيلي الرمزي جسرهُ لغة شعرية فاتنة مانحة ، وبلاغة مستفِّزة جاذبة لايطال ألفاظها الطازجة الترهل والخواء ، نافورة جمال وحلم ، فنّ جاد " يخترق الأشياء إلى ما وراء الواقع وما وراء الخيال" – حسب تعبير بول كلي !
. " جِلسة تصوير" عبقرية سردٍ narrative، تتجلّى في الحكاية – الصورة – المشهد عبر لغة بصرية ، حيث تأخذ الكلمات في كلّ قصّة مهمة الكاميرا" كاميرا الذات" – بتعبير ديان دوكري ، وهي تنقلُ بعينٍ ثاقبةٍ تفاصيل واقعٍ معيش .
في " حداء الصفيح" المكانُ بطلاً !
والمكانُ هنا يعطي أبعاداً للشخصية تجعلهاً أكثرَ عمقاً .. !
يقولُ الروائي إبراهيم عبد المجيد : " المكان يفرضُ سماتٍ أخرى للشخصية ، ربّما لايعرفها الإنسانُ عن نفسهِ ، سمات تغني الشخصية ، وتصنعها في بعض الأحيان".
وفي هذه القصّة المكانُ متماهٍ وروح البطل " أبو مناحي" وهوَ نهب عواصف هوجاء بينَ الماضي المقرون بالشجن المضني والنستولوجيا nostalagie العالية .. والحاضر المفضي إلى الألم والقلق والحيرة .. كلّ ذلك يتجسّد جارحاً كبرياء اللحظة ، ويصوغهُ علي المسعودي ببراعة طيّ وليمة أحاسيس ومشاعر البطل الأوحد في القصّة " أبو مناحي" .. أحاسيس بحرارة المكان ونبضه وملامحه التي لاتبتعد عن ملامح إنسانه – البطل ، بل هي لحظة تماهٍ ، قدْ حلّ كلّ منهما في تفاصيل الآخر ، وكلاهما يسكبانِ دمعاً حجرياً ، ويفيضان حنبناً تجاوز في قوتهٍ ثورة أمواج كلّ بحار الدنيا ، فالهروب القسري من تضاريس البداوة لايعيدُ لـ"أبي مناحي" إنسانيته ، وهو يصدمُ بـ" بداوة المدن" وهي تعلن عن جفاف أنهار الألفة والمحبة والحنين ، ويجد نفسّه غريباً ليس على المكان فحسب ، بل على زمانه وإنسانه ، ويتمنى لو توقف الزمن ليعيش زمناً آخر ، قد انتزع قسراً من نسيج ذاكرته التي لايصلها صدأ النسيان ..!
: " ماذا تفعلون بأنفسكم ؟ هلْ تذهبون بأرجلكم إلى الأقفاص ، إلى السجن .. إلى الاختناق .. كيف يُمكن لبدوي أنْ يتركَ كلّ هذا الامتداد ، ليسكن في مساحةٍ لاتتجاوز (ممراح الإبل) .. " – ص11.
. يقولُ أروهان باموق : " دائماً أحاولُ أن أثيرَ المشهدَ في مخيلةِ القاريء من خلال الصور" !
وقصّة " ليل قران" لقطة – تشكيل – مشهد – وصورة !
ولكاميرا الذات – الكاتب المجرّب لغة تبدو سكنه ، وملجأه الحالم ، وهو في لحظة اصطياد لقطة موحية ، صورة نابضة بأحاسيس ومشاعر لاتحتويها الكلمات نفسها ، وسمتها الاقتصاد في المفردات ، وقصر الجمل ، وبراعة التكثيف ، والخيال المنتج المبتكر ، عناصر بناء قصّة – سرد narrative مابعد حداثي والذي أطلق عليه عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان الحداثة السائلة liquid modernity .. !
لا يغيب على القاريء لحظات سطو القاص السلمي على كيمياء القصيدة – الومضة بل والزهو التعبيري بتقنيتها ، فقط ليمنح القصّة كلّ هذه الإثارة excitation– الملح في السرد كما يرى إيتالو كاليفينو ، لتُقرأ بشروط قلبٍ موجعٍ ، وذاكرة بهيبة الماء ، متوجة بعنصري الدهشة والمفاجأة ، كلّ جملة رشيقة لحظة بعث جديدة في الزمن ترياقهُ الإبداع المثير ، وصلاتهُ التي لاتصير قضاءً : الحرية ..!
: " كان (فهد) فرحاً وهو يسبقني في عبور الشارع إلى بيتهم ، فإذا بسيارة تسيرُ بسرعةٍ جنونيةٍ ، دهستهُ بينَ إطاراتها والإسفلت" – ص17.
. والقصّة شكلٌ معبّرٌ عن لحظةٍ من زمنٍ يبدو ممتداً ورتيباً في رؤى المبدع ، وكأنّهُ كل الأزمنة ، زمن بعمر المدى وزهو الأزل و" كلّ السنوات سواء ، مادامت الأحداث تدورُ كدوران الإسطوانات في الفونوغراف" – حسب تعبير خوسيه إميليو باتشيكو في رائعته – النوفيلا " معارك الصحراء" .
ذلك ما توحي بهِ قصّة " عروس الخليج" وهي قصّة حالمة تأمليّة في لغة تجمع مفرداتها بين التأويل الموهم والحقيقة ، خلاصة ذبذبات خيالٍ ابتكاري .. وهنا " الخيالُ وحدهُ بوسعه أنْ يمدّنا بأدواتٍ إدراكية ، يُمكنُ الوثوق بها" – حسب تعبير بورخيس في ( مديح الظل) – ص149.
والقصّة لعبة مفارقة أيضاً ، وخدع الألفاظ الجاذبة تفضح لعبة الزمن في الكائن ، وهو يسرق منه خطواته الصباحية ، ويعبث في حدائق ملامحه .. فـ" العجوز" وفق لعبة الكلمات ومكر الخيال ، ومادام " كلّ شيء محض استعارة" – كما يقول جوته ، و" العالم ليس سوى مجاز" – برؤى هاروكي موراكامي ، فأنَّ " العجوز" هو " الوطن" حين يركن إلى الشكلية ، ويطرب للزخارف ، وينبذ العمق والأصالة ، وهو يترنح بخطوات ديكورية بلا صوت ، ويتكلم صمتاً ، ولايُقرأ حضوره إلا فصلاً من كتاب الغياب :
: " تشيح بوجهها عن زميلها الذي يبادرها بالكلام .. لتوهم الآخرين بأنهُ يحاولُ مغازلتها .. تتركهُ بجنوح فتاةٍ هاربةٍ من شابٍ .. وهي تلمحُ في وجهه ابتسامة تكدّر عليها صفو خيالاتها ..
سألتها : ما اسمك ؟
قالت : وطن " – ص45.
. السردُ narrativeبمجموعه لهُ سلطة الاحتواء .. احتواء عديد الفنون ، وهو كفنّ عابر للأزمنة ، بل وسابقها – كما يرى د. ه. لورانس .. فأنَّ الكتابة والرسم توأمان شقيان ، وأنهما لعبة حرية .. في واقع حلمي ، وحياة بكل تفاصيلها لعبة أيضاً .
في قصّة " ليل .. ربما" لعبة الكتابة والرسم .. فسيفساء إبداعية في " لغةٍ صِيغت من استعارات " – بتعبير ليغونيس ligones .. في مزجٍ مُموسق بديع بين الكلمة واللون – أدوات الكتابة الحالمة في نسيج سردٍ – نثر خرافي – قصّة قصيرة في لغة غريزية لا تعني غير أنها تحتوي على فعلٍ زمني .. والعلاقة أزلية بين الكلمة – القصيدة – القصة والتشكيل – اللوحة والنحت ، وهما مصدر فرحٍ صوفي – ذبذبات جسدٍ حالم .
: " ظلام دامس .. وهو ينظرُ باتجاه المرآة .. وأصابعه تتحسّس أجزاء وجههِ .. يشعرُ أنهُ يرى نفسه جيداً .. من دون أن يخاف من تفاصيل وجهه كما يحدثُ لهُ في النهار" – ص65.
. في قصّة " سيد الكلب" نقلة نوعية ، يأخذ الإيحاء في أبجديتها شكلاً آخرَ ، يضغط على المشاعر والأحاسيس ، ولكن بأقدام وردٍ ، كل كلمة في القصّة تُقرأ مرئية ، والكاتب ينتقل بشرارة أصابع من نصّ مكتوب إلى نصّ بصري يُمكن أن يُقرأ بالطريقة نفسها .. إنَّ فضاء الغرب الفسيح الملتحف بعباءة الحرية هجين وباعث في النفس حزناً قاتما .. وعلى رأسه الفضاء الأمريكي ، ونسمات تمثال الحرية الباعثة لريح السموم ، حين يُمتهن الإنسان ،
وتستهجن أفعاله ، وهي ببلاغة الحميمية والألفة والبراءة ، ويبدو الفضاء متسعاً ، بل منحاز لما يؤذي القلب ويربك نبضه إلى ما هو دون الإنسان .. للحيوان الذي يبدو له نفوذ ، وكلمة مثلى ، يُحسب له حساب ، يُبجّل وتقدّم له كل وسائل الراحة والأمان ، ويبدو حارس الكلب في منزلة عالية حسب العرف الأمريكي ، فكيف بصاحب الكلب الحقيقي المختفي ، وظلهُ هو الذي يحكم ، ويأمرُ وينهى ، فوق أرضٍ غدت "مخبولة" فعلاً ، ومواطنها لا أحد؟
: " بدت البيوت تخلو شيئاً فشيئاً ، فصار يمشي وحارسه بين أزقة الحارة بحثاً عن منزلٍ مأهولٍ من أجل الدخول ثمّ العواء فوق سطحه .. منذ لحظة ظهور الكلب ، حتى فراغ (المخبولة) تدريجياً من أهلها .. لمْ يحدث أن شاهدَ أحدنا مالك الكلب الأمريكي " – ص80.
." إنَّ فضلَ كلّ فنٍّ هو في عمقهِ ، لاتصالهِ بالجمال والحقّ" .. وكذلك ياسيدي الشاعر – كيتس اتّصاله بالحلمِ الذي لايُمكن سجنهُ ، أو قمعهُ ، أو استهجان حروف أبجديته ..!!
و " شاهد وشهيد " القصة – الحُلم ..!!
:" هلْ أعطتك الأرضُ الإحساسَ ذاته ، وأنتَ تسكبُ دماءكَ فيها؟" – ص83.
بوحُ الذات المتشظية في ذكريات حبٍّ قديمٍ جديد .. والكاتبُ يلتقط ُ الكلمات في حُلمٍ ، وهو يخفض جناح الودّ لها ، ويتصرّف بإيعاز من رئة الرقة والحنين ، كأنه يتاملُ جناحي فراشة مرفرفة .. حديث الذات بكل لغات الألم ، وهي تُقرأ في كلمات مبعث نستولوجيا عالية ، حين تتماها الذات مع الوطن .. ويكبرُ صدى الحلم والأمل والشوق ، وتتوه الأصابع والقريحة معاً ، وهما في أوجّ جنونهما أهي تكتب قصيدة أم قصّة ، ولكن لا يهمّ مادامَ " كلّ فنّ هو بالأساس شعر ، أي وحدة حميمة مع اللسان والكلام" – كما يقول هولدرلين .. تجمع حروفهما بين الجمال والتمرد والإغواء كما امراة جميلة ، تحارب عاشقها المفتون بهذه السهام التي لاتخطيء هدفها .. يذهب الوطنُ ويعودُ في القصة -الحلم في " الميتا – لغة" أو ما وراء اللغة ، أليس الأحلام لغة الله – كما يقولُ باولو كويلهو :
" لا تذهب .. سأعود إليك بعد قليلٍ .. !
لكني نسيت أن أخبركَ :
الوطنُ تنازلَ عن كلّ قضاياه التي كنتَ تدافعُ عنها" – ص85.
. الفنّ بمجموعه " لعبة خيال خطرة" – كما يقولُ جان جاك لوبيل !
بل لعبة مجاز مُتقن ..هي كلّ كيمياء الكتابة والإيحاء التعبيري الجمالي . يكتبُ بورخيس مؤكداً هذا المعنى في " الحكايات" : " سُئلَ مزارعٌ إنْ كانت السماءُ ستمطر ، فأجاب : لستُ أدري ، فالطقسُ يبدو على هيئة مَنْ يُخمّن"! .
والواقعُ في قصّة " الطرف الاخر" على هيئة مَنْ يغدر ، ويُخادع ، وهو متلون كالحرباء ، وأنانيّ حتى البشاعة ، لا يرى في مرآتهِ المهشمة إلاّ نفسه ، وحدهُ صاحب البطولات الزائفة ، والكلّ باطل :
" حاولت أن أكوّن صداقة جيدة في أكثر من تجربة ، لكن كلّ مَنْ اكتفى بصداقة نفسه ، وسماع ذاته ، هو المتحدث الوحيد ، والبقية جمهور مهمتهُ التصفيق فقط " – ص95.
والكلّ في هذا الواقع المعيش يشكو من السرقة ، والسارق الأمهر لا أحد ..! وأنّنا " مازلنا لا شيء ولا أحد" على لسان بطل " الغرنغو العجوز" لكارلوس فوينتس .. وأقسى أنواع السرقة هي سرقة الزمن لبهجةٍ جنينٍ ينمو في أحشاء كلٍّ منّا ببطءٍ ، أو أنها مؤجلة ، والزمن عابث كبير في كينونة الكلّ : " كنتُ أتوقع أنَّ مثل هذا العمر بعيد جداً .. لا أدري كيف قطعت المسافة من الطفولة إلى هنا بهذهِ السرعة" – ص96.
والماضي وحدهُ لحظة الانعتاق ، والفرار من جحيم الحاضر الحزين المقلق بلا شمس ، ونهاره يشكو عصيان دقائقه الطائشة .. الماضي تذكرة سفرٍ لمْ تنتهِ صلاحيتها ، نستولوجيا nostalagie عالية ، وذكرى تتكلم بلسان بهجة مؤجلة .. ماضٍ لايغيب ، والإنسان ماضيهُ أبداً :
" أشعرُ بحنينٍ جارفٍ لكلّ شيءٍ مضى : الأهل ، الوطن ، قلة المسؤولية أو انعدامها .. أشتاق لأشياء كثيرة .. وأشتاق لكِ " – ص98.
" الطرف الآخر" قصّة الواقع المعيش في صورة تراجيكوميدية ، حين يسود النفاق أيضاً ، حتى يكرهُ النفاقُ نفسه : " لديّ محاضرة غداً .. محاضرة مُمّلة لشخصٍ مُمّل ، لكن لا بدّ من الحضور والاستماع .. والتصفيق ، لأنَّ عدوى التصفيق منتشرة في المجتمع " – ص99.
والباحثون عن السعادة في هذا الواقع بلهاء ، بتصوراتِ فلاسفةِ الأزمان ، ولحظة البحث عن اللاأحد نهاية الحزن وبداية الضياع : " يبدو أنَّ النهايات السعيدة لمْ تعُد موجودة حتى في الخيال" – ص99.
. علي السعودي في مجموعته القصصية " جِلسة تصوير" يعيش لحظة مرحٍ ، يشعرُ بها ، ومعه قارئهُ عندما يقول هذه الكلمات ، بل وهو يكتبها برمادِ جسدِه ، مبدأ القصّة لديه هو " الإيجاز حتى تتقارب البداية والنهاية" – حسب تعبير إدغار آلان بو ..!
جمل قصيرة بإيقاع قصيدة نثرٍ متمردة ، الاقتصاد الذي بدا صفة أسلوبية لدى المسعودي .. أداة بناء لقصصهِ ، وهي تأتي مكتملة وفي إيقاع مشبعٍ بالمتعةِ بعيداً عن التفاصيل .. هدفه إثارة مشاعر القاريء ، إيقاظ وتوليد رؤى في كلماتٍ قليلة في إيقاعٍ سريع ، نبوئي ، وبحيوية مفرطة لمبدعٍ جادٍ .. الكلمات ملجأهُ الحالم والمجازُ منطادُ نجاته ..!