علي المسعودي قضى فترة
طويلة من حياته يتأرجح بين الصحافة والشعر، فقد عمل في إدارة العديد من المجلات
والصحف الخليجية، وشارك في تحكيم العديد من المسابقات الشعرية، مثل «شاعر
المليون»، كما دخل المسعودي مجال الكتابة التلفزيونية وكتب العديد من المسلسلات
الناجحة، وللمسعودي الكثير من الكتب التي تنوعت بين المجموعة القصصية والسيرة
والمقالات الأدبية والنقدية.
ورغم اننا في زمن
الرواية كما يشير بعض النقاد، فان المسعودي يبقى أحد المبدعين الأوفياء لفن القصة
القصيرة، فقد أصدر أكثر من مجموعة قصصية: مملكة الشمس (1992)، رجوع (1994)، تقاطيع
(1998)، ذاكرة الجدران (2008).
شغف اللحظة
منذ أيام اصدر المسعودي
مجموعته القصصية الجديدة «جلسة تصوير» عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، وتقع
المجموعة في 133 صفحة من القطع المتوسط، يبدأ المسعودي مجموعته بنص استهلالي يقول
فيه «انتظر شغف هذه اللحظة، عندما ألج في حالة خاصة جدا باللعب مع أطفالي، كأنما
استعادة شيء ما، حياة ما، زمن ما، اشيع معهم الفوضى في المكان، إذاك.. ألمح طفلا
يحشر نفسه بينهم! ملامحه قديمة.. كأنما جاء من زمن سحيق! متحمسا أكثر منهم للعب!
في عينيه شجن يستهويني! فيه شيء من ملامحي.. يحمل نفس اسمي، وتاريخ ميلادي..
وأحلامي! صرت اترقب لعبهم.. منتظرا لحظة ظهوره».
نوستالجيا البساطة
في هذا النص يبدو
المسعودي وهو يقف على حافة الخمسين، وكأنه هذا الطفل المصاب بنوستالجيا البساطة
والباحث عن زمن الطفولة البريئة في زمن يولد فيه الأطفال بلا طفولة، هذا الطفل
شبيه بقصص المسعودي، فكل قصة وراءها همّ إنساني وبحث عن معنى من معاني الزمن
العتيق واسئلة بلا جواب.
في نص «جلسة تصوير»
الذي يحمل اسم المجموعة يقول المسعودي: «هذه ابتسامتي التي ترفض الانصياع لأوامر
المصورين، هذا صمتي الدائم، وهذه جلجلتي في الضحك الصادق، هذه تعابيري الغامضة،
التي لا تقبل الظهور بسهولة، هذا وجهي الذي اعرفه وأحيانا استنكره، أرجوك! كل هذه
التفاصيل أريدها أن تظهر في الصورة التي ستلتقطها لي وأعطيها لرجل محترف في تزوير
جوازات السفر».
ويبدو المسعودي في
مجموعته القصصية الجديدة كأنه مصور محترف يلتقط تفاصيل بسيطة ودقيقة بكاميرا
الحياة لا يلتقطها إلا مصور محترف، فكل قصة اشبه بلقطة إنسانية تحمل أقل قدر من
التفاصيل لكنه بين سطورها الموجزة تحمل الكثير من المعاني والرموز والإسقاطات.قصص قصيرة حقاً
ويطرز المسعودي بعض هذه اللقطات بمقولات وأقوال مأثورة
ذات دلالة يضعها على عتبات نصوصه، ففي قصة «سيد الكلب» يستعين بمقولة الكاتب
الأميركي آرثر ميللر «لا أمان في اميركا.. فرجل في مركب مقابل نيويورك قد يقذفها
بقنبلة كي يدخل الجنة»، وفي قصة «الطرف الآخر» يقتبس بيت شعر شهيرا لنزار قباني عن
معنى الحب «الحب في الأرض بعض من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لاخترعناه»، وفي قصة «الذود
وهدرة الفحل» يقتبس شطرا من معلقة الأعشى «ودّع هريرة إن الركب مرتحل».
قصص المسعودي قصيرة حقا فغالبية قصص المجموعة تأتي اشبه
بومضة والقليل منها يزيد على صفحتين أو ثلاث، وقصة واحدة فقط غردت خارج السرب
وجاءت في خمس صفحات، يكتب المسعودي قصصه بلغة سلسة لا تعقيد فيها اشبه بلغة
البراءة التي يبحث عنها، وفيها يختبئ كثير من المعاني الإنسانية الممزوجة بحس
ساخر، وهي قصص من الحياة لاشك سيجد القارئ نفسه في واحدة منها، فمن منا لا يشتاق
لزمن الطفولة والبساطة والبراءة ورائحة القلم المبري من القلم الرصاص كما يشتاق
المسعودي.