يأتي علي المسعودي بتجربة جديدة في عمله القصصي الثاني بعنوان "تقاطيع" الصادر هذا العام. الكاتب بالفعل تقاطيع لهوية تحاول العثور على... اوالامساك بـ.. الخ . تجربه حداثيه اصيله تبتعد عن الافتعال و الزخارف القصديريه البراقه و حشد لغه غريبه لمجرد الغرابه . نصوص قصصيه او نص الاقصوصه . ان جاز التعبير, اعمال قصيره لاهثه راكضه على جمر الاختزال . البوح النفسي كثيف, كتابه لا تشبه احدا, لا يشبهها احد لانها تنطق عن موهبه كاتبها وحده. وحده يسير في هذا الطريق ووحده يحتمل و يتحمل , وحده و ذخيره من صدق غزير و اخلاص للكلمه وحب فاقع للتمرد و والتفرد و الاهم جراة واضحه غير مهزومه, ينقسم الكاتب الى مناظر خارجيه و مناظر داخليه , المهم انها جميعا داخليه , لان الصدق و التفاعل الذاتي لا يفارقها و ان كانت موضوعاتها خارج ذات الكاتب فان تسجيلها يتم بعين الذات لتسقط ذائبه في مراه النفس, فيترجمها قلمه بطزاجتها و سخونتها الفوارة .
من اصدق القصص, "مواجهة" (ص67) بين الكاتب و ذاتهه الاخرى, و هنا للمره الاولى نجد هذا الاعتراف الضمني لدى كاتب محلي بتلك الذات المبدعه التي تتلمس و تحاول رصد الذات التي تغلفها.
في قصه "تضاريس على الارجح" (ص63) كتابه راعشه لتلك التفاصيل التي لا نفهمها كنساء بين الرجل و زوجته من جهه, و الرجل نفسه و امه من جهه اخرى , فبينما الزوجه تشفق عليه من غطاء العباءة الذي لا يقيه البرد, يسرح هو في تتبع الرائحه التي في خلايا العبائة والاكثر دفئا من اثقل غطاء. كم يهزني هنا و يبهرني هذا الاقتراب الكبير من الذات لمحاورتها و تتبع انفعالاتها و مشاعرها و رصدها حاره لاصقه للورقه كما هي من دون خجل او نكران .
في قصه "ضفه ثانيه "(ص57) , نجد فلسفه الداخل و الخارج من دون ذكر مباشر لهما , فالداخل اي البيت او الغرفه حاله من الضياع و الفراغ , ولكن في الخارج , اي خارج البيت و الغرفه تيه كامل عن النفس , الذي يعتبر الضياع الاكمل , ولكن بامكاننا تامل الحاله بصوره مختلفه كما يلي:
في الموقف الاول , في البيت, كانت النفس حاضره تحاول تلمس حاله الفوضى و الاضطراب و الضياع, لكنها كانت حاضره , اما في الحاله الثانيه و في خارج البيت و الغرفه اختفت حميمه المشهد اذ عانت النفس من الضياع نفسه الذي بدا و كانه لفها بقوه و اختفت في تعاريجه .
و ان اردنا تفكيك الرمزيه هنا سنقول ان ضياع النفس في الحاله الثانيه او في الخارج هي لمحة عن ذوبان الفرد في الجماعه و فقدانه لهويته وتميزه,
القصه المشابهه في تداعياتها النفسيه الفلسفيه هي "دليل..ربما" حيث نجد وصفا لذيذا لليل كحلي لامع بهيج يحيط الفرد بريشه, حين "اشعر بالمرايا تقفز من الحيطان و تحملي جسدا مضيئا يشبهني الليل" (ص49). ثم في النهار يختفي كل هذا و يبحث الفرد دون جدوى, انكشف امره و انطفأ النور الغالي فـ "يزيف" الفرد حقيقته , و يعود ينتظر الليل ليعانق نوره من جديد.
كتابه اشبه باصطياد لقطه خاصه جدا ورميها على كف الورقه الناصعه فورا من دون مكياج او رتوش او تزويق.
كم يحتاج الكاتب الى جراة بالغه لفتح ادراج حياته و حميميه الخصوصاات التي تجمعه و ذاته و حبيبته و ابنته و امه وفوضاه و باب شقته .
جراه نحاسيه, يصفعها كل مره سوالا مهما :
هــل يستحــق القــارىء كل هذا اللؤلؤ ؟