نطلب وجبة طعام…
وعندما ننتهي منها يفرح فقير ما ببقايانا فيتلذذ بما يجد من لحم في العظم، ثم يترك بقاياه التي تتجمع حولها القطط…
حتى اذا انتهت تجمعت حول بقايا البقايا دابة الأرض التي ستأكل البشر ( يوما ما)!
أشياء كثيرة نأكلها..
وأشياء أكثر تأكلنا..
مما يأكلنا ونحن على قيد الحياة: الزمن.. يلتهمنا رويدا رويدا من دون أن نشعر.. حتى إذا ما (هرمنا.. هرمنا) عرفنا أن العمر أكل أحلامنا … وبعض أحبابنا!
يقولون: الثورة تأكل أبناءها.. بينما القطة لا تأكل أبناءها.
هناك من أكله الدهر وهناك من أكل عليه الدهر وشرب وهو في حاله لم يتغير.
هناك من يأكل وفق نظرية (قوت لاتموت) وهناك من يبلع حتى التخمة.
من الناس من يأكل وجبة خفيفة ومنهم من يفضل الوجبة الدسمة.. ومن الناس يستمتع وهو يلتهم (حقوق الناس) وينسى أن الدود سيأكله بعد حين.
للأكل لذة لا تقاوم خاصة إذا جاء في وقته المناسب… وبقدره المناسب لأن (البطنة تذهب الفطنة).. وقال رسولنا الكريم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه… حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه). وكثيرون يتنافسون في إجادة الطبخ والتفنن فيه ودائما ينتهون إلى أن: (الجوع أحسن طباخ).
هناك من يبالغ في الأكل، وهناك من يفرط في الأكل.. فيأكل خيرات بلد بأكمله.
وكل إنسان يأكل من خبز يديه الا العالة على الارض.. ممن يلبس ما لا ينسج ويحصد ما لم يزرع.. (ويكفل من يدفع).
وقالوا للرفله (خبزٍ خبزتيه ياالرفله إكليه).. وفي البلاد المتخلفة يقولون (ابن الخباز يشبع خبز).
في المطبخ الصحفي تتم أشياء كثيرة… تحقيقات، متابعات، تغطيات، كتابات شفافة، تعابير صادقة، مدح، نفاق، مسح جوخ، وخيانة أمانة… وكل يخرج بطبخته ويستمتع بنتائجها.
في المطبخ الصحفي تفوح رائحة البشر.
بعض الأدباء يأكل من عرق جبينه.
بعضهم يقتات من ماء وجهه.
بعض المسؤولين يأكلون حقوق الشعوب… وبعض الحكام يبلعون البلاد بعظامها..
يقرمشونها ويمزمزونها… ثم يظهرون من شرفة في ساحة عامة ليصفق لهم المأجورين والموتورين والمطبلين والفقراء المغفلين المساكين..
بعض البشر يأكل أعراض الناس… ويمضغ لحوم الاقارب، وعمى عن قول رب العزة: (كلوا من طيبات ما رزقناكم).
آخرون يأكلون من ماء كرامتهم… لأنهم غسلوا وجوههم بـ (مرق)!!
من النساء من تأكل بعرق جبينها… ومنهن من تعيش بتلطيخ شرف أهلها… وتقبض الثمن: تذكرة سفر أو دنانير معدودة… أو كرت تعبئة!!
ورحم الله هند بنت عتبة .. التي سألت نبيّها باستنكار: (وهل تزني الحرة؟).. وتلك الأبية التي قالت: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها)… وطوسألت نبها.
… وقد استغرب رسولنا الكريم من رجل يرفع يديه (يارب يارب) وملبسه حرام ومطعمه حرام… فأنّى يستجاب له!!
إنها الأخلاق… تحدد لك مأكلك… فإن طاب طبت… وإن خاب خبت!
وقد قال الشاعر:
(هي الأخلاق تنبت كالنبات..
إذا سقيت بماء المكرمات)
فانظر بأي ماء سقيت أخلاقك…
بماء المكرمات أم بمياه الصرف الصحي؟